ألا يسعنا ما وسع علماء الأمة، ودعاتها، وقضاتها، وعقلاءها، ألا يسعنا ما وسع العالمين الفاضلين المعاصرين؛ سماحة الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمن وغيرهما من علمائنا الأجلاء؛ حيث دعوا إلى الله عز وجل في هذا المجتمع بالحكمة والموعظة الحسنة، وأخرجوا طلاباً وعلموا تلاميذ، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وأسسوا، ودرسوا، وألفوا، ومع ذلك نصحوا بالتي هي أحسن، فأقاموا المعوج،ونبهوا علي الخطأ، وأبرؤوا ذممهم، وهم في التقوى والورع من هم في محلتهم وميزانهم، أن على الجيل أن يسعه ما وسع هؤلاء الأئمة العلماء، وأن يتقي الله عز وجل ، فلن يأتي هو بعلم كعلمهم، ولا فضل كفضلهم.
لماذا نترك ما اجتمعت عليه الأمة ونأخذ بالشاذ؟ نترك الحجة والمحجة والطريق المستقيم، ونذهب إلي الطريق الملتوي، الذي يؤدي إلي الهلكة، لماذا نهجر الألفة وندعو للفرقة؟ لماذا نعرض عن اليقين إلى الظن؟ وعن الواضح إلي المشتبه؟ لماذا نعمل تحت الأرض في الظلام، ولا نبني فوق الأرض في رابعة النهار؟ لماذا نترك الواضحات من المسائل والمشتهرات، ونذهب على الشبهات؟ لماذا نهجر الحديث الصحيح الصريح إلى الحديث الضعيف الواهن؟ لماذا لا نثق بعلمائنا، ودعاتنا، وولاة أمرنا، وعقلائنا، ونذهب إلى آخرين لا نعرف علمهم، ولا نصحهم، ولا صدقهم؟
ليس في ديننا أسرار ولا ألغاز، مبادئنا تعلن من على المنابر والمنائر، وفي المحافل والأعياد والمنتديات، ولذلك قال عمر بن عبد العزيز: إذا رأيت الناس يتناجون في دينهم ، فاعلم أنهم دسيسة، فإذا كان العلم سرا، في الأقبية ، وفي المخابئ، وتحت الأرض، وفي الجلسات السرية، اصبح هناك خطورة، وأصبح هناك ظن، واصبح هناك وهم، واصبح هناك ريبة، ولذلك أظهر صلي الله عليه وسلم دعوته علي الصفان وأظهرها في المحافل، وفي أسواق العرب، ودعا جهاراً نهاراً ، وقال له ربه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107) وقال: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر:94) ، فلماذا نتستر بدعوتنا إذا كنا صادقين؟ ولماذا نتخفى إذا كنا واثقين؟ ولماذا نعمل خلايا سرية إذا كنا ربانيين عالميين؟ لماذا لا نعمل في الجامعات، والمساجد، والمدارس، والمحافل ، والنوادي، والمعاهد؟